‏إظهار الرسائل ذات التسميات مواقف و اراء. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مواقف و اراء. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 30 أبريل 2014

حق الاضراب بين القانون والقضاء "دراسة وفق مشروع القانون التنظيمي للإضراب


حق الاضراب بين القانون والقضاء "دراسة وفق مشروع القانون التنظيمي للإضراب
الاستاذ ميمون خراط
مقدمة عامة
يعتبر الإضراب أحد أهم الآليات التي يستخدمها العمال والموظفون للدفاع عن مصالحهم وغالبا ما يتم تعريفه بكونه « امتناع عمال المنشأة أو فريق منهم عن العمل بطريقة منظمة ولمدة محددة مرتبطة بالمطالبة ببعض حقوقهم." أو بتعبير آخر هو " توقف كل أو بعض الموظفين أو العمال عن العمل، بهدف تحسين ظروف العمل والحصول على مزايا أفضل " أو بقصد مساندة نشاط سياسي أو اجتماعي معين " .
هكذا يشكل الحق في الإضراب أحد أهم الآليات التي يلجأ إليها الموظفون والمستخدمون للدفاع عن مصالحهم كما يعمل على التأثير في الرأي العام من جهة، والحياة الاقتصادية وأمن الدولة من جهة أخرى، وعلى هذا الأساس نجد معظم الدول تنظر إليه عادة بعدم الارتياح.
وهناك من الدول كسويسرا وألمانيا ما يحظر الإضراب بشكل مطلق ويعتبره عملا غير مشروع . بل كانت معظم الدول الاشتراكية تعتبره نوعا من التخريب لأموال الدولة وتأخيرا لتنفيذ الخطة القومية الشاملة للدولة .
وهناك من الدول ما يبيح الإضراب للعاملين في القطاع الخاص دون موظفي الدولة، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد جاء النص على حق العمال في الإضراب بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك في الاتفاقية رقم 87 الصادرة عن منظمة العمل الدولية والتي ذهبت إلى "أن شروط الإضراب المشروع يجب أن يكون مرتبط بمطالب يمكن تنفيذها وألا يكون من شأنها التقليل من الوسائل المتاحة أمام المنظمات النقابية".
وذهبت منظمة العمل إلى أنه قد يكون مقبولا فرض التزام على النقابات بإخطار صاحب العمل قبل الدعوة إلى إضراب، وكذلك مما يتفق مع الالتزامات والإجراءات الواردة في الاتفاقية والتي تضمنت فترة (تهدئة) لدرجة تجعل حدوث إضراب شرعي أمرا مستحيلا في الواقع.
وبالمثل يمكن اعتبار الحصول على نسبة معينة من الأصوات أو الاقتراع السري لاتخاذ قرار الإضراب من الأمور المقبولة. ولكن تحديد نسبة الأغلبية المطلوبة بثلثي الأصوات مثلا قد يكمن أمرا من الصعب تحقيقه، وقد يكون من المقبول حظر الإضراب في بعض الخدمات أو المنشآت الجوهرية ولكن يجب ألا تعامل منشآت الدولة جميعها على أنها منشآت جوهرية.
وقد ذهبت لجنة الحرية النقابية بمنظمة العمل إلى أن الأنشطة التي تبدوا غير جوهرية وبالتالي لا يجوز مصادرة حق عمالها في الإضراب منهم : عمال الموانئ بصفة عامة – إصلاح الطائرات ، وجميع خدمات النقل ، البنوك، الأنشطة الفلاحية، المناجم ، الصناعات المعدنية والبترولية، التعليم ، توريد وتوزيع المواد الغذائية، على أنه يمكن القول أن من الأنشطة الجوهرية التي من الممكن منع الإضراب فيها مثل الخدمات المتعلقة بالإمداد بالمياه وعمال المستشفيات ، واعتبار أيضا أن انسحاب مراقي خدمات الطيران الجوي يعرض حياة عدد كبير من الركاب والملاحين للخطر، الأمر الذي جعل استبعاد هذه الطائفة من مزاولة حق الإضراب لا يمثل انتهاكا لمبادئ الحرية النقابية.
انطلاقا مما سبق يمكن طرح التساؤل حول ما موقع مشروع القانون التنظيمي الجديد المتعلق بالإضراب من مسألة الإباحة والحظر ؟ وإلى أي حد توفق المشرع المغربي من احترام القاعدة الدولية في هذا الإطار ؟ وكيف كان الحق في الإضراب مؤطر في الوقت السابق ؟ وما هو موقع مقتضيات المشروع الجديد من ضمن القوانين المقارنة ؟
المحور الأول: نبذة تاريخية من الحق في الإضراب في التشريع المغربي
النقاش القانوني المرتبط بحق الإضراب، يثير الكثير من الجدل والتساؤلات التي ما زالت مستمرة منذ الستينات وإلى الآن، ويعود السبب إلى وجود عدة نصوص قانونية متناقضة في الموضوع، وإصدار القضاء المغربي أحكاما مرتبطة بممارسة حق الإضراب.
ويرجع أصل الجدل حول حق الإضراب في الوظيفة العمومية إلى نص الفصل الخامس من مرسوم 5 فبراير 1958 المتعلق بمباشرة الموظفين للحق النقابي والذي جاء فيه " كل توقف عن العمل بصفة مدبرة وكل عمل جماعي أدى إلى عدم الانقياد بصفة بينة يمكن المعاقبة عليه علاوة على الضمانات التأديبية ويهم هذا جميع الموظفين ". وقد صدر هذا الظهير قبل وضع دستور 1962 هذا الأخير الذي ينص في فصله 14 على حق الإضراب مضمون، ويشير تأكيد هذا الفصل في الدساتير اللاحقة إلى غاية الدستور الحالي لسنة 2011 . لهذا يؤكد غالبية الملاحظين على الفصل 14 من الدستور الصادر سنة 1962 أنه يلغي مرسوم 5 ماي 1958 الذي حرم " الإضراب في الوظيفة العمومية".
إلا أن هناك آراء أخرى وإلى حدود أواسط الثمانينات تعتبر الإضراب في الوظيفة العمومية غير قانوني، وذلك لعدم صدور قانون تنظيمي وهو الشيء الذي لم يتم لحد الآن، وتستند تلك الآراء على تأويل للنص الفرنسي للمادة 14 من الدستور الذي جاء فيها أن حق الإضراب يظل مضمونا، ويعني هذا في نظرهم أنه يبقى مضمونا في القطاع الخاص، كما نجد الحكومة تعتبر دائما الإضراب في الوظيفة العمومية غير مشروع ارتكازا على الفصل الخامس من مرسوم 5 فبراير 1958 ونذكر على سبيل المثال منشور الوزير الأول رقم 5-319 بتاريخ 17 أبريل 1979 وكان ذلك بمناسبة إضرابات رجال التعليم والصحة في أبريل 1979 .
ويعرف النقاش القانوني والفقهي انتعاشا عند حدوث كل إضراب من جهة واقتطاع الإدارة من أجور الموظفين أو عزلهم من جهة ثانية بمناسبة الإضراب عن العمل.
ويجب أن نشير إلى أن ممارسة الإضراب في عدة محطات من تاريخ المغرب أدى إلى طرد العديد من الموظفين من الوظيفة العمومية، مثل طرد موظفي وزارة الخارجية المضربين في دجنبر 1961، وعرضت قضايا الطرد من الوظيفة العمومية على المجلس الأعلى منها قضية محمد الحيحي وإدريس نداء، فماذا كان موقف القضاء من هذه القضايا؟.
المحور الثاني: حق الإضراب في الاجتهاد القضائي المغربي.
كان المجلس الأعلى يرتكز على تفسير الفصل 5 من المرسوم 5 فبراير 1958 بشأن مباشرة الموظفين الحق النقابي، وقد صدر على أساس ذلك قرار شهير وهو قرار محمد الحيحي بتاريخ 17 أبريل 1961، وما يثير الجدل في هذا القرار هو ارتكازه على مرسوم 5 فبراير السابق دون أن يأخذ بعين الاعتبار أن هذا المرسوم قد صدر قبل وضع الدستور، وبأن هذا الأخير في الفصل 14 منه يؤكد على أن حق الإضراب مضمون.
وبمناسبة إضراب 20 يونيو 1981 واصل المجلس الأعلى تأكيد اجتهاده الوارد في قرار محمد الحيحي ، وبنفس الحجج، وذلك في قراره الصادر عن الغرفة الإدارية بتاريخ 25 مايو 1984 في قضية إدريس نداء ضد وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، حول عزله بتاريخ 23 دجنبر 1981 من غير توقيف حق التقاعد ابتداء من اليوم الموالي لتاريخ تبليغ القرار.
وفي تعليقه على هذين القرارين، يرى الأستاذ عبد القادر باينة ، أنه لا يمكن أن يعتبر الإضراب بصفة عامة غير شرعي ومحرم في الوظيفة العمومية، وكل قرار يعتبر غير ذلك فهو غير شرعي ومخالف للدستور ويرى كذلك أن ظهير 24 فبراير 1958 لم يمنع ممارسة هذا الحق ولكن بالفعل اعتبره محرما على مجموعة من فئات الموظفين الذين تمنع أنظمتهم الاساسية بصراحة حق الاضراب ويبقى الاضراب مشروعا لباقي الموظفين.
حيث أنه بالرجوع للأحكام المرتبطة بممارسة حق الاضراب الصادرة من طرف المحاكم الادارية المغربية فان الاجتهاد القضائي المغربي استقر على اعتبار الاضراب حقا مشروعا إلا أن ممارسته تخضع لبعض الشروط القانونية تتمثل في عدم الاخلال بالسير المنتظم للمرفق العمومي، لذا فان الاضراب المفاجئ أو المباغث والطارئ يعتبر غير مشروع كما أنه يجب أن يكون بهدف تحقيق مكاسب مهنية وليس ذا أبعاد سياسية ومن الاحكام الصادرة من طرف القضاء الاداري في السنوات الاخيرة:
الحكم الاول صادر عن ادارية مكناس تحت عدد 36/01 بتاريخ 12 يوليوز 2002 قضى بالغاء القرار الصادر عن وزير التربية الوطنية القاضي باتخاذ عقوبة الانذار في مواجهة الطاعن معللا حكمه كما يلي "الاضراب حق دستوري أكدته جميع الدساتير المتعاقبة وعدم صدور تشريع تنظيمي يحدد كيفية ممارسة حق الاضراب لا يعني اطلاق هذا الحق بلا قيود بل لا بد من ممارسته في اطار ضوابط تمنع من اساءة استعماله وتضمن انسجامه مع مقتضيات النظام العام والسير العادي للمرافق العمومية على نحو لا يمس سيرها المنتظم بشكل مؤثر كما أن عدم ثبوت أن الاضراب الذي خاضه الطاعن فيه خروج عن الضوابط المذكورة (الاخلال بسير المرفق العام...) لذلك لا يمكن اعتباره تقصيرا في الواجب المهني وبالتالي تكون عقوبة الانذار المؤسسة على هذه الواقعة لاغية".
الحكم الثاني: صادر عن ادارية الرباط بتاريخ 7/2/2006 في الملف عدد 05/107 قضت فيه برفض طلب تقدم به أحد المضربين يطعن بواسطته في القرار القاضي باقتطاع من أجرته عن التغيب المبرر موضحة في حيثيات الحكم "ان حق الاضراب حق أصيل مكفول دستوريا وغياب النص التنظيمي ووجود فراغ تشريعي بخصوص تنظيم هذا الحق يعطي القضاء الاداري استنادا الى دوره الانشائي امكانية خلق ضوابط كفيلة بتأمين ممارسته بشكل يضمن الحفاظ على سير المرافق العامة بانتظام وباضطراد" وأضافت المحكمة " أن ثبوت عدم التزام الجهة المضربة بالضوابط المقررة لممارسة هذا الحق أدى الى عرقلت سير المرفق العام ولجوء الادارة الى تطبيق مقتضيات المرسوم الصادر بتاريخ 10 ماي 2005 باعتبار أن الاجر يؤدى مقابل العمل يجعل قرار الاقتطاع من الراتب قرارا مشروعا "
يتضح اذن مما سبق أن القضاء المغربي حاول في كل حالة من حالات الاضراب وضع قواعد وذلك في غياب النص التنظيمي المؤطر لذلك مع العلم بأن حالات لجوء المضربين للقضاء كانت جد نادرة وهذا راجع بالأساس الى الى تردد الادارة بدورها من اتخاذ اجراءات تأديبية في حق المضربين نظرا لعدم وجود ما تستند عليها من نصوص واضحة في هذا المجال، ولتجاوز هذا الفراغ جاء مشروع القانون التنظيمي للاضراب، فالى أي حد حاول أن يتجاوز هذا الفراغ؟
المحور الثالث: الحق في الاضراب وفق مقتضيات مشروع القانون التنظيمي
لقد عرف مشروع القانون التنظيمي الاضراب بكونه " هو توقف جماعي ومدبر عن الشغل من أجل الدفاع عن مطالب مهنية." (المادة 2)
كما أقر كذلك بممارسة حق الاضراب في المقاولات والمؤسسات والأنشطة الخاضعة للقانون رقم 65.99 بمثابة مدونة الشغل والمقاولات المنجمية والعمل البحري والوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية ومن طرف المشتغلين لحسابهم الخاص(المادة 8).
إلا أن ما يثير الملاحظة هو اشتراط المشرع في مشروع القانون ، عدم اللجوء إلى الإضراب إلا بعد فشل المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة
وفي حالة تعذر إجراء هذه المفاوضات لسبب من الأسباب يحق لكل طرف اتخاذ قرار الإضراب أنذاك طبقا للتدابير والمساطر المتضمنة في القانون التنظيمي (المادة 9)
وهنا يطرح التساؤل عن من هي الجهة المخول لها الحكم على فشل المفاوضات؟ هل الادارة والمشغل أم العمال والموظفين خاصة اذا علمنا بأن جل المفاوضات تنتهي باختلاف الرؤى حول تقييمها من داخل الهيئات النقابية نفسها فما بال الادارة والمشغل الذي سيضل دائما يتشبث بعدم فشل المفاوضات وبضرورة الاستمرار فيها وبالتالي الربح المزيد من الوقت على حساب مطالب الشغيلة.
كما يلاحظ على هذا المشروع فيما يتعلق بشروط وإجراءات ممارسة حق الاضراب أن هذا الأخير مرتبط قرار شنه على مستوى المقاولة أو المؤسسة من لدن النقابات الأكثر تمثيلا أو المكاتب النقابية أو من طرف لجنة الإضراب في حالة عدم وجود تمثيلية نقابية .
كما يتخذ قرار شن الإضراب على الصعيد القطاعي والوطني من لدن النقابات الأكثر تمثيلا والتي تستوفي الشروط المنصوص عليها في مقتضيات المادة 425 من قانون 65.99 بمثابة مدونة للشغل.
وأيضا يتخذ قرار شن الإضراب على مستوى العمالة أو الإقليم أو الجماعة المحلية أو المرفق العمومي أو المؤسسة العمومية ذات الطابع الإداري من طرف المكاتب النقابية للمنظمات النقابية الأكثر تمثيلية.(المادة 17)
وهو ما شكل تراجعا عن بعض المكتسبات والتي كانت تسمح لأي اطار نقابي مهما كانت تمثيليته الدعوة الى خوض الاضراب وغاية المشرع من هذا المقتضى يبقى نبيلا ما دام سيدفع الى عقلنة المشهد النقابي والحد من التشتت الذي لا يخدم مصلحة الموضف والأجير.
ومن الملاحظات التي تم الاختلاف بشأنها بين الفرقاء هو ما يتعلق بمسألة الاخطار اذ يتعين قبل شن الإضراب تمكين المشغل أو من ينوب عنه بالقطاع الخاص أو رؤساء الإدارات العمومية والشبه عمومية أو الجماعات المحلية من مهلة إخطار لا تقل عن 10 أيام كاملة.
تحدد مهلة الإخطار في 48 ساعة في حالة عدم أداء الأجور في وقتها المحدد أو وجود خطر حال يهدد صحة وسلامة الأجراء.
يبدأ سريان مهلة الإخطار المشار إليها في الفقرة السابقة من اليوم الموالي لتاريخ تبليغ قرار الإضراب إلى المشغل أو من ينوب عنه أو رؤساء الإدارات المعنية.
وهنا اختلفت النقابات الى منددة بهذا النص من جهة والداعية الى جعل مدة الاخطار في يومين فقط، من جهتنا نرى خفض مدة الاخطار الى 5 أيام سيكون كافيا للمشغل والإدارة لإعمال الاحتياطات اللازمة، وعليه تبقى مسألة مراجعة هذه المدة ضرورة ملحة.
ومن المستجدات التي أتى بها مشروع القانون التنظيمي ما يتعلق بلجنة الإضراب المشار إليها في المواد 7 و17 و 21 والتي تنشأ من لدن الجمع العام للأجراء الذي يقرر الإضراب، ويتراوح عدد أعضائها مابين 3 و 6 أعضاء ينتخبهم الجمع العام للأجراء والذين يتولون تأطير وتدبير مختلف مراحل الإضراب واتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص عليها في القانون.
يتخذ قرار الإضراب في حالة الدعوة له من لدن لجنة الاضراب بنسبة 35 % على الأقل من مجموع أجراء المقاولة أوالمؤسسة المعنية
(المادة 22).
كم تم حصر لائحة من الموظفين الذي يمنع عليهم الحق في الاضراب وهم:
جنود القوات المسلحة الملكية ورجال الدرك الملكي؛
رجال الأمن الوطني والقوات المساعدة؛
رجال السلطة ومتصرفو وزارة الداخلية؛
القضاة وقضاة المحاكم المالية؛
أعوان السلطة العمومية؛
موظفو وأعوان إدارة الجمارك؛
موظفو وأعوان إدارة السجون وإعادة الإدماج؛
موظفو وأعوان الهيئة الوطنية للوقاية المدنية؛
موظفو وأعوان المياه والغابات.
كما يمنع ممارسة حق الإضراب في المرافق الحيوية التي يؤدي الانقطاع فيها عن الشغل إلى المخاطرة بحياة أو أمن أو صحة كل أو بعض الأشخاص(المادة41).
كما مكن مشروع القانون رئيس الحكومة، أن يأمر بوقف الإضراب أو بمنعه في قطاع ما بموجب قرار معلل في الحالات التالية:
 - حدوث أزمة وطنية حادة؛
-  كوارث طبيعي؛.
-  حالة حرب.(المادة43)
المحور الرابع: حق الاضراب في التجربتين الفرنسية والمصرية
في التجربة الفرنسية
كان الاضراب في فرنسا حتى عام 1946 يعد عملا غير مشروع ويشكل خطأ تأديبيا يسمح للإدارة بفصل الموظف المضرب، كما اعتبر القضاء الفرنسي الاضراب خطأ ذا طابع خاص يسمح للإدارة بفصل الموظف دون حاجة الى اتباع الاجراءات التأديبية، واستند مجلس الدولة في البداية لتبرير قضائه هذا الى فكرة أنه بالإضراب ينهي الموظف عقد الوظيفة العامة، ومنذ عام 1937 برر قضاءه بأنه بالإضراب يضع الموظف نفسه خارج دائرة تطبيق القوانين واللوائح التي تقررت لضمان ممارسته لحقوقه من قبل السلطة العامة .
وفضلا عما سبق فان الادارة يمكنها أن تفض الاضراب غير المشروع دون حاجة الى حضره مسبقا، ولها لكي تمنع الاضراب أن تكلف الموظفين المضربين دون أن ينسب اليها الانحراف بالسلطة، بل لها أن تجندهم في الحالات التي يسمح لها القانون بذلك .
ومنذ عام 1946 خضع الاضراب الى قواعد قانونية وقضائية جديدة
أما عن القواعد القانونية فقد نصت مقدمة دستور 1946 على أن " حق الاضراب يمارس في اطار القوانين التي تنظمه" وفي ضوء هذا النص انتهى مجلس الدولة الى أن هذا النص يقر فقط حق الاضراب، لكن حدوده ونطاقه يرسمها القضاء.
كما صدرت منذ 1946 عدة قوانين تحظر الاضراب على بعض فئات الموظفين وإلا أمكن مجازاتهم دون التزام بالضمانات التأديبية، من هذه الفئات: رجال الشرطة ، موظفو ادارة السجون ، القضاء، بعض العاملين بالملاحة الجوية، العسكريون.
كذلك صدر قانون في 31 يوليوز 1963 مقررا ضرورة الاخطار بالإضراب مسبقا، فعلى النقابة أن تبلغ السلطة الرئاسية أو الادارة المختصة بالإخطار قبل خمسة أيام من التاريخ المحدد للإضراب ويجب أن يتضمن الاخطار أسباب الاضراب ومكانه وتاريخه وساعة بدئه كما حظر القانون المذكور الاضرابات بالتوالي، أي قطاعا بعد قطاع في المرفق الواحد لأن هذا يعوق العمل في المرفق مدة طويلة.
ويترتب على عدم مراعاة أحكام القانون سالف الذكر تخويل الادارة الحق في توقيع الجزاءات التأديببية على المضربين متخففة في ذلك من كثير من اجراءات التأديب العادية اللهم اذا كان الجزاء هو الفصل أو خفض الدرجة فلا يمكن اتخاذهما إلا بإتباع الاجراءات التأديبية العادية ولا يجوز الجمع بين الفصل وبين الحرمان من المعاش.
وإذا كانت القواعد القانونية سالفة الذكر غير كافية لتحديد مضمون حق الاضراب والقيود التي ترد عليه، فان مجلس الدولة قام بهذا الدور في حكم DEHAENE وأحكام لاحقة به، فقد قام هذا الحكم الأخير على أنه "وان كان حق الاضراب معترف به منذ عام 1946 إلا أن هذا الحق يمكن أن ترد عليه القيود بسبب مقتضيات سير المرافق العامة".
واذا كان الدستور يوكل الى المشرع نفسه فرض هذه القيود فان حكم Dehaene ذهب الى أنه "في غياب التنظيم التشريعي المتكامل لهذا الحق يكون من اختصاص الحكومة المسؤولة عن سير المرافق العامة أن تحدد بنفسها طبيعة ونطاق القيود التي ترد على هذا الحق، وذلك تحت رقابة القاضي بقصد تجنب التعسف في استعماله أو استعماله بشكل يتعارض مع مقتضيات النظام العام" وهكذا فان مجلس الدولة اعترف للسلطة التنفيذية مع المشرع بالحق في تقييد حق الاضراب كما اعترف في ذات الوقت للقاضي بالحق في رقابة ما اذا كانت القيود التي تضعها السلطة التنفيذية تبررها حماية النظام العام أم لا.
والقيود التي تفرضها السلطة التنفيذية على حق الاضراب يمكن أن تصدر عن الحكومة بمقتضى سلطتها اللائحية كما يمكن أن تنتظمها منشورات تصدر من الوزراء أو حتى من رؤساء المرافق .
والإضراب المشروع هو الاضراب المقصود به الدفاع عن المصالح المهنية للموظفين كما ذهب حكم Dehaene. ويصير غير مشروع اذا كان يستهدف أغراضا سياسية .
ومجلس الدولة الفرنسي في سعيه للتوفيق بين ممارسة حق الاضراب وضرورة حماية النظام العام يقر بمشروعية القيود التي تضعها الادارة لحظر ممارسة شاغلي وظائف معينة لحق الاضراب بالنظر الى طبيعة مهام هذه الوظائف ولزومها للمحافظة على النظام العام وفي نفس الوقت يباشر رقابته لتتحقق من أن هذه القيود تتطلبها بالفعل المحافظة على النظام العام وذلك سواء من حيث طبيعة مهام الوظائف المعنية ومدى تعلقها بالنظام العام أو من حيث نطاق الحظر الذي قررته الادارة ومدى اقتصاره فقط على الموظفين الذين يلزم وجودهم للقيام بمهام هذه الوظائف.
وفضلا عما خوله حكم Dehaene للسلطات العامة من مكنات فان هذا لا يشكل الوسيلة الوحيدة التي تملكها هذه السلطات لتقيد من حق الاضراب ذلك أن القوانين خولت الحكومة الحق في فض الاضراب في المرافق العامة عن طريق تكليف الموظفين المضربين، فلها عند اندلاع اضرابات تهدد بصورة خطيرة سير المرفق وإشباع الحاجات العامة للجمهور أن تلجأ الى هذه الوسيلة .
وإذا كان معترفا للموظف بحق الاضراب فان ذلك لا يعفيه أثناء ممارسته هذا الحق من وجوب التزامه بواجب التحفظ المفروض على كل موظف وإلا جاز مساءلته تأديبيا مع عدم الاخلال بالضمانات التأديبية المقررة له .
كما أن اضراب الموظف يحرمه من الأجر وفقا لمبدأ الأجر مقابل العمل فللإدارة أن تخصم من راتبه المدة التي شارك فيها في الاضراب دون أن يكون لهذا الخصم طبيعة الجزاء .
في التجربة المصرية
لم يكن الاضراب معاقبا عليه جنائيا في مصر حتى عام 1923 وكان يكتفي بتوقيع العقوبات التأديبية على الموظفين الذين يقومون بالإضراب إلا أنه بإصدار المشرع المصري للقانون رقم 37 لسنة 1923 جرم هذا الفعل الذي تلاه مجموعة من القوانين أكدت على تجريم الاضراب، منها قانون العقوبات الصادر عام 1937 والقانون رقم 116 الصادر سنة 1946 والقانون رقم 24 الصادر سنة 1951، وهكذا ينص الفصل 124 من قانون العقوبات على أنه" اذا ترك ثلاثة على الأقل من الموظفين أو المستخدمين العموميين عملهم ولو في صورة الاستقالة أو امتنعوا عمدا عن تأدية واجب من واجبات وظيفتهم متفقين على ذلك أو مبتغين منه تحقيق غرض مشترك عوقب كل منهم بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مئة جنيه.
ويضاعف الحد الأقصى لهذه العقوبة اذا كان الترك أو الامتناع من شأنه أن يجعل الناس أو صحتهم أو أمنهم في خطر أو كان من شأنه أن يحدث اضطرابا أو فتنة بين الناس أو اذا أضر بمصلحة عامة"
ويلاحظ ان المشرع المصري تشدد كثيرا في مواجهة الاضراب وآية ذلك أنه جعل من توقف موظف واحد عن العمل جريمة، إلا انه بالرغم من ذلك فقد وافقت السلطات المصرية على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سنة 1981، هذا الاخير الذي تكفل بضمان الحق في الاضراب.
وقد أكد الدستور المصري في مجال قيمة الاتفاقيات الدولية في المادة 151 منه على أن " رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان وتكون لها قوة القانون بعد ابرامها والتصديق عليها ونشرها..."
وبالرغم مما سبق فالقضاء المصري لم يعمل على حماية هذا الحق فقد ساير في أحكامه موقف المشرع في العديد من القضايا التي عرضت عليه .
قد تظهر لنا المقارنة المعتمدة مع هذين النظامين القانونين الفرنسي والمصري بأن المغرب تقدم بشكل كبير وخاصة مع فرنسا الا أن هذا غير صحيح من جهة أن الموظف والمستخدم في فرنسا لديه من الحقوق ما تعفيه من الاضراب ومن جهة ثانية لديه من الطرق والوسائل ما تمكنه من ايصال مطالبه من دون اللجوء للإضراب، أضف الى ذلك للحكومة والمشغلين حس المسؤولية التي تجعلهم يستبقون الأحداث قبل اقدام النقابات على الإضراب علاوة على التدبير التشاركي الذي يطبع أطراف العلاقة الشغلية.
على سبيل الختم
على اعتبار بكون حق الاضراب من بين أهم الحقوق في يد الموظف والمستخدم والعامل للدفاع عن مصالحه المادية والمعنوية وباعتباره منصوص عليه في المواثيق الدولية من جهة وفي منطوق الفصل 29 من دستور 2011 (الفصل 14 من الدساتير السابقة) من جهة ثانية، وعليه يتعين على المشرع المغربي استحضار روح هذه النصوص والحقوق المكتسبة اثناء وضع اللمسات الأخيرة على مشروع القانون التنظيمي بشكل لا يدفع معه الى التراجع، لأن حقوق الطبقة العاملة كل لا يتجزأ.

المراجع

- انظر : أنظر محمد انس قاسم جعفر : الموظف العام وممارسة العمل النقابي، ص 83 - 1986
- انظر : Robert Catherine : le Fonctionnaire Français, Pari 1973 p 94
- انظر : فاروق عبد البر : دور مجلس الدولة المصري في حماية حريات الموظف العام 1998 ، ص 400
- انظر Robert Catherine : Op-cit – p 94
- de laubadère (andré) traité élémentaire de droit administratif T 11 ;5éd paris 1970 p 85. C.E 7 aout 1909 , Winkell , p 826 et 1296, concl. Tardieu. C.E ? 22 octobre 1937, Dlle minaire et autres, Rec , p.843
- de laubadère (andré) traité élémentaire de droit administratif T 11 ;5éd paris 1970 p 85. C.E 7 aout 1909 , Winkell , p 826 et 1296, concl. Tardieu. C.E ? 22 octobre 1937, Dlle minaire et autres, Rec , p.843
- C.E , 7Juillet 1950. Dehaene . Rec . p 426.
- De Laubadère. Op cit . p 87. 88
- C.E. 18 Fev 1955 Bernot. Rec. P 97. 8 Fev 1961 Rousset Rec . p 85
- C.E 24 Fev 1961 Isnardon EC P 150 3

- C.E 12 octobre 1956 Delle Coquand Rec p 362 4
- C E 9 Avril 1954 Caubel REC P 225
- حكم المحكمة التأديبية بأسيوط بتاريخ 26/2/1989 مشار اليه من طرف فاروق عبد البر مرجع سابق ص 413

عن موقع :  http://www.marocdroit.com

الاثنين، 28 أبريل 2014

نظرة ماركسية لظاهرة البيروقراطية

البيروقراطية: تفسير ماركسي

الأحد، 27 أبريل 2014

سيرورة التحول البيروقراطي في التنظيم النقابي: مقاربة ميدانية



سيرورة التحول البيروقراطي في التنظيم النقابي
ليلى بوطمين


ملخص الأطروحة
1-   إن الإهتمام بدراسة و تحليل الطبقة العاملة و تنظيماتها محدود جدا فبالرغم من الدور الكبير الذي تلعبه في سيرورة التطور الإجتماعي، إلا أننا نشهد ندرة أو قلة الدراسات التي تتناول التنظيمات النقابية من داخلها، و يمكن تفسير هذه الوضعية بتخوف النقابة من هذه الدراسات التي قد تساهم في كشف نقاط ضعفها و تهديد توازنها ، وهو ما أثر على البحوث كما و نوعا، بالرغم من أنها تكتسي أهمية كبيرة في الكشف عن طبيعة العلاقات السائدة بين المستويات و الهياكل المختلفة المكونة للتنظيمات النقابية.
2-   و يمكن تقديم تفسير آخر لغياب أو قلة الاهتمام بهذا النوع من الدراسات، يتعلق بتأثير الخطاب السياسي في السنوات التى تلت الاستقلال في توجيه البحوث و الدراسات التى كانت في معظمها إعادة إنتاج للخطاب الايديولوجي السائد في تلك الفترة.
3-   و على قلتها فإن الدراسات و البحوث حول التنظيمات النقابية إمتازت بطابع تاريخي أو إقتصادي أو حقوقي. بينما لم تحظ الدراسات ذات الطابع السوسيولوجي التي تهدف إلى تحليل آليات عمل الهياكل في المستويات المختلفة و مكانيزمات سيرها و أساليب اتخاذ القرار فيها، و كذلك طبيعة علاقتها مع الأجهزة الأخرى التي تتعامل معها، إلا بقدر ضئيل من الإهتمام. و كان ذلك أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتنا إلى اختيار هذا الموضوع للدراسة و التحليل، نظرا لقيمته العلمية و العملية، خصوصا مع إستمرار التراجع في كمية الدراسات التي تعالج موضوع التنظيم النقابي، و كذلك لراهنيته نظرا للتغيرات الاجتماعـية و الاقتصادية العميقة التي عرفها المجتمع منذ منتصف الثمانينات حيث وقعت تحولات كمية و نوعية على الأصعدة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية. و بما أن التنظيم النقابي لا يعيش بمعزل عن تلك التغيرات التي تؤثر على تـنـظـيمه و أسلوب عمله، فإنه من المتوقع أن تساهم جميع تلك التغيرات في سيرورة التحول البيروقراطي للتنظيم النقابي الرئيسي في الجزائر المتمثل في إ.ع.ع.ج
4-   تمثل الدراسة التي نقدمها هنا محاولة لكشف الآليات المختلفة التي تقف وراء سيرورة التحول البيروقراطي الذي طال التنظيم الرئيسي في الجزائر و لمعالجة هذا الموضوع قمنا بتقسيم هذه الدراسة إلى قسمين : خصصنا القسم الأول للجانب النظري و المنهجي، الذي يتوزع بدوره إلى أربعة فصول :
5-   يتضمن الفصل الأول عرض إشكالية البحث التي وقع بناؤها حول سؤال مركزي هو : ماهي الشروط و العوامل الداخلية و الخارجية التي تساهم في تحويل النقابة إلى منظمة بيروقراطية تسيطر عليها أقلية تحتكر القرار بعيدا عن الأغلبية؟ و نسعى من خلال هذا التساؤل إلى كشف آليات عمل التنظيم الـنـقابي و تحليل طبيعة العلاقات بين مستوياته و ظهور القيادات في مختلف الهيئات، و شروط التعامل مع المؤسسات و الأجهزة الأخرى، و الضغوط التي يفرضها المحيط. و هي كلها عوامل نفترض أنها تساهم في بقرطة التنظيم النقابي.
6-   لذلك قمنا بتفكيك السؤال المركزي إلى عدد من المحاور الأساسية بهدف الكشف عن تلك الشروط و العوامل سواء الداخلية أو الخارجية التي تساهم في عملية البقرطة و هي :

بنية و عمل التنظيم النقابي

ظهور القيادات و تمثيليتها

المشاركة و الاتصال

ضغوط و اكراهات المحيط

7-   أما الفصل الثاني، فقد تم تخصيصه لعرض الاجراءات المنهجية بما في ذلك تحديد المقاربة النظرية، و قد إعتمدنا على المقاربة السوسيو أنثروبولوجية التي تعني اكتشاف الواقع و حقائقه دون الاعتماد على معارف أو أفكار مسبقة، بمعنى التخلي و لو نسبيا عن التصورات القبلية حول الظاهرة موضوع الدراسة، و الإعتماد على معطيات الواقع لتدعيم التصورات النظرية للاجابة على المشكل المطروح. كما إعتمدنا بشكل أساسي في التحليل على المقاربة النسقية "systèmique L’approche " باعتبار النقابة نسقا، ينشأ ثم يتطور، و يعمل من خلال آليات تقسيم العمل و التخصص بين الهياكل و الفئات المختلفة المشكلة للتنظيم. لذا وجب التعرف على الآليات التي تـحكم سـيــر نـشـاط الـتـنـظـيــم و العلاقات بين هيئاته في مختلف المستويات التنظيمية، حالة الاتصال داخلها، طرق اتخاذ القرار و المشاركة. ثم باعتبار النقابة تنظيما تراتبيا يتشكل من عدد من المستويات التي تقف على قمتها النخبة، هذه الأخيرة تمتاز بخصائص و ميزات كالقدرة الفكرية، المعارف المتخصصة، و غيرها من الميزات و الخصائص التي لا تتوفر في جميع أعضاء التنظيم مما يؤدي إلى القضاء على تكافؤ الفرص.
8-   كما يمكن تحت شروط معينة و ظروف محددة أن تتحول هذه القيادة إلى نخبة بيروقراطية، تقضي على إمكانيات المشاركة الفعلية، و تقصى الكفاءات المختلفة للأعضاء و يتحقق ذلك بالتركيز الشديد للسلطة و فرض السيطرة من قبل الأقلية و ترتبط هذه الظاهرة حسب ميشيلز "MICHELS" بالعوامل التنظيمية التي تدفع نحو الأوليقاركية، إضافة إلى عوامل أخرى توجد في المحيط، خاصة التعامل مع نخب أخرى بيروقراطية يفرض التعامل معها الاستجابة لآليات عمل بيروقراطية تؤدي إلى اندماج أقلية التنظيم داخل النظام الاجتماعي السائد. كما تمت الاستعانة بالمقاربة التاريخية لتحليل سيرورة البقرطة النقابية، و الغرض من الاستعانة بالمقاربة التاريخية هو تفادي التشويه الذي ينتج عن عزل الــحـوادث و الظواهر الاجتماعية عن سياقها الموضوعي و التاريخي.
9-   بالإضافة إلى التقنيات المنهجية التي إعتمدنا عليها في التحقيق و في تحليل المعطيات و المعلومات و قد إعتمدنا بشكل أساسي على طريقة تحليل المضمون بالنظر إلى استخدامنا لتقنية المقابلة في التحقيق الميداني، و بشكل أقل بالإعتماد على الطريقة الإحصائية.
10-                     بينما خصصنا الفصل الثالث لعرض الاطار النظري بتقديم الأفكار الأساسية لأهم النظريات التي تناولت مفهوم البيروقراطية، بالإضافة إلى النظريات التي عالجت موضوع النخبة، و ذلك لإعتقادنا بوجود روابط قوية بين العمليتين : التحول نحو البيروقراطية و تشكيل نخبة في التنظيم النقابي.
11-                     و استعرضنا في الفصل الرابع الخلفية التاريخية لسيرورة البقرطة النقابية كما عرفتها منظمة إ.ع.ع.ج خلال المراحل المختلفة من تطورها، اضافة إلى حصر أهم الشروط و العوامل الداخلية و الخارجية التي ساهمت تاريخيا في بقرطة المنظمة النقابية و ما تزال لحد اليوم.
12-                     أما القسم الثاني، فيحتوي على أربعة فصول، نحاول فيها تــقــديم عــرض و تحليل المعطيات و المعلومات المستقاة من التحقيق الميداني.
13-                     هكذا نهتم في الفصل الخامس بتحليل بنية و عمل التنظيم النقابي بتسليط الضوء على طبيعة العلاقات بين الهيئات النقابية سواء في الهياكل العمودية أو الأفقية، و كشف مدى الانسجام و التكامل أو التعارض في مهام هذه الـهـيـئـات و أثر ذلك على فعالية التنظيم، إضافة إلى معرفة مدى اطلاع المنخرطين (القاعدة العمالية) على مهام هذه الهيئات.
14-                     أما الفصل السادس، فيخص تحليل المعطيات التي تكشف عن الأسلوب المتبع في اختيار القيادات النقابية و آليات سير العملية الانتخابية و تحديد الجهات التي تؤتر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في اختيار القادة. و كذا دور و موقع القاعدة العمالية في هذه العملية. إضافة إلى مسألة تجديد الهيئات الـقـيـاديــة، و مدى استقرار القيادات النقابية و العوامل المساعدة على ذلك.

15-                     أما الفصل السابع، فيتناول بالتحليل طبيعة العلاقة الموجودة بين المستويات القيادية و القاعدية في المنظمة النقابية، و كذلك الكشف عن مدى المشاركة الفعلية و الممكنة للقاعدة من خلال عاملي الاتصال و الإعلام، اضافة إلى تحليل طريقة اتخاذ القرار داخل المنظمة، و ما مدى إقصاء أو اشراك الأغلبية في عمليات اتخاذ القرار.
16-                     و نركز في الفصل الثامن و الآخير، على مناقشة و تحليل خصائص و ميزات المحيط الذي ينشط فيه التنظيم النقابي، و ما يتطلبه التعامل مع مختلف الجهات من خبرات و مؤهلات، و نقوم بالكشف عن الاجراءات التي اتخذتها المنظمة لتوفير مثل هذه الخبرات لتمكين القيادات من إكتساب المعرفة اللازمة لتسيير المفاوضة و تمثيل العمال أمام الأجهزة المختلفة التي تتعامل معها في محيط يتميز بدرجة عالية من عدم الاستقرار و التحول السريع، اضافة إلى النزعة العدائية القوية تجاه النقابة و العمل النقابي.
17-                     هكذا بعد عرض أهم ما احتوته فصول القسمين الأول و الثاني من البحث، نقدم النتائج العامة و الأفكار الأساسية التي توصلنا إليها من خلال هذه الـدراسة و التي يمكن حصرها في ثلاث قضايا أساسية :
مركزية و تصلب التنظيم
لقد تأكد من خلال نتائج الدراسة، مدى مركزية و صرامة التنظيم النـقـابـي، و ذلك من خلال ثلاث مسائل رئيسية : التــنــسيق بين الهياكل، الإتــصـــال و الإعلام و أخيرا اتخاذ القرار.
-         أولا، ضعف التماسك الداخلي و غياب التنسيق و الانسجام بين الهياكل المحلية، نظرا للتوترات و الصراعات الداخلية الناجـمــة عــن اخـتــلاف رؤى و مطامح الفئات و الهيئات المختلفة. مثلما كشفت الدراسة في حالة العلاقة بين نقابة المنشأة و مكتب الفرع النقابي فـي الحجار، و ذلك نظرا لموقع كل فئة داخل التنظيم، و العلاقات التي تقيمها مع هيئات خارجية. و بذلك تبقى فكرة التكامل و التجانس تصورا لا واقعي بخاصة و أن التراتب و المغالاة في احترام القواعد و التسلسل الهرمي ينفي وجود هذه الفكرة و تحقيقها في الواقع.
-         ثانيا، المجافاة و غياب العلاقات و انعدام الاتصالات المستمرة بين الهيئات النقابية، إذ أن تقوية النزعة نحو مركزية للتنظيم و الصرامة في احترام التسلسل الهرمي لدى إنتقال المعلومات أضحى سمة مميزة التنظيم، حتى أنه في الحالات التي وجد فيها الاتصال، فإنه لم يكن كافيا، و لم يكن دوره بالنسبة للفئات العمالية البسيطة التي لا تعرف إلا القليل مما يدور في كواليس النقابة و المنشأة بسبب عدم فعالية قنوات الاتصال. اضافة إلى تخوف القيادات في المستويات العليا علاقات من الوجه لوجه مع القاعدة العمالية، مما جعل الفرع يبدو هيكلا دون روح.

-         ثالثا، مركزية القرار، فقد أبرزت الدراسة بأن القرارات الحاسمة في حياة العمال و المنظمة تؤخذ في أعلى الهرم التنظيمي للهياكل المحلية دون فتح المجال للمستويات الدنيا، و ما يؤكد ذلك هو غياب الجمعيات العامة كممارسة ديمقراطية في اتخاذ القرار. و قد أدت مثل هذه الممارسات المركزية في اتخاذ القرار إلى نزاعات و صراعات حادة و متكررة بين نقابة المؤسسة التي تتخذ القرارات انفراديا دون إشراك قيادات الفرع، و مكتب الفرع النقابي الذي يعتبر الهيئة النقابية القاعدية على مستوى المصنع، و قد ثـبـث أن الـتـوتـرات الداخــلــيــة و التعارض ناتج عن غياب إستراتيجية موحدة بسبب تباين الأهداف و اختلاف المصالح بين الهياكل أو بين الفئات المختلفة في تلك الهياكل.
هكذا فقد أبرزت مجمل هذه المسائل، أن العلاقات بين الهياكل النقابية تتسم بالمركزية المفرطة، و غياب الإعلام و الاتصال، و تعتبر في ذات الوقت ميزات التنظيم البيروقراطي. و بهذا الصدد يصبح غير صحيح إعتبار النقابة كيانا متجانسا، نظرا للتفاوت الواضح بين الفئات في مختلف المستويات بسبب عمليات التهميش و الإقصاء التي تتعرض لها الغالبية بخصوص المشاركة في حياة التنظيم و في اتخاذ القرارات الحاسمة المتعلقة بمصير القاعدة العمالية.
وجود فئة متميزة، أو أقلية أوليقاركية
إن المسألة الأولى التي تؤكد هذه القضية هي ما كشفت عنه الدراسة، فيما يخص ظاهرة الاستقرار الكبير و غياب التداول على المناصب، و ذلك ما يؤكد وجود نزعة قوية نحو اكتساب تلك القيادات لصفات الـنـخبة الـبـروقـراطــيــة. و يمكننا تفسير ذلك الاستقرار و لو جزئيا، بالامتيازات و المصالح المرتبطة بالمناصب، و كذلك بالدعم الذي تتلقاه القيادات من قبل فئات أخرى تمثل مستويات عليا في أجهزة و هيئات و تنظيمات أخرى، سواء على مستوى المنشأة أو المحيط.
-         ثانيا إن الإلتزام بالمسار الذي تأخذه المعلومة بمعنى احترام التراتب الهرمي يدفع بالأقلية المسيرة للتنظيم أن تتحول أو تصبح فئة متميزة تستمد سلطتها من تأكيدها على ضرورة احترام القواعد، كما أن موقعها و مكانتها داخل التنظيم يضفي الشرعية على كثير من الممارسات البيروقراطية.
-         ثالثا، عدم تمثيلية القيادات النقابية للقاعدة العمالية و يعود ذلك لعدة عوامل منها :
    انتماء القيادات لمجالات و مسارات مهنية و مستويات مهارية مختلفة عن القاعدة.
    وصول القيادات إلى المناصب القيادية من خلال عمليات إنتخابية شكلية لا ديمقراطية يتم خلالها تجاوز القواعد الرسمية و اللجوء إلى منظومة العلاقات غير الرسمية، حيث تلعب مقاييس : الجهوية، المحاباة، رأس المال العلائقي، المحسوبية،… دورا كبيرا و تجعل من القيادات فئة متميزة، و تقود في ذات الوقت إلى تكوين بيرقراطية نقابية.

-         رابعا، عدم توفر المهارات اللازمة لدى غالبية القيادات المحلية لتمثيل العمال و تسيير التنظيم بفعالية، بسبب غياب التكوين و الملتقيات التي تمكن الـقيادات و الممثلين النقابيين من اكتساب الخبرة و المهارة اللازمتين لتمثيل القاعدة العريضة و المحافظة على مصالحها، و هو ما أدى إلى اللجوء إلى أساليب غير رسمية في التعامل مع الأجهزة و الأطراف الخارجية. و كذا في تسيير الـمـفاوضة و تمثيل العمال، الشيء الذي فتح المجال واسعا أمام نمط التسيير البيروقراطي، كما يقود إلى تكوين فئة أو أقلية متميزة من الاطارات النقابية بفعل إمتلاكها رأسمالا علائقيا. و هو ما يؤدي إلى تقوية حظوظ إغتراب القيادات النقابية بفعل قبولها للمنظومة القيمية التي تشكل قاعدة لمثل تلك المــمارسات و العـلاقـــــات و يترتب عن ذلك نتائج عديدة منها :
    الاندماج داخل النظام المؤسساتي القائم و تبنى نفس الممارسات البيروقراطية للأطراف الخارجية .
    الاستجابة لمعايير محددة من قبل نفس الأطراف التي يتعامل معها.
    إقصاء إمكانية التسيير الديمقراطي للهياكل النقابية. خاصة و أنه ظهر جليا أن تأسيس النزاعات التي تشكل ظاهرة أساسية في علاقات العمل يدخل ضمن استراتيجية بقرطة الفعل النقابي، الذي تعني تحويل الاطارات النقابية إلى مجموعة من الموظفين المتخصصين في مهام و وظائف مـحددة و احـتلال مـــراكز و مكانات مستقرة و دائمة في هرم التنظيم. هكذا يتم تجاوز اللوائح و القواعد التنظيمية التي توحي المظاهر باحترامها، و تظهر بقوة أساليب غير رسمية تحدد العلاقات و التفاعلات داخل الفئات المختلفة المشكلة للتنظيم و بينها و هو ما ساهم بشكل أساسي في بقرطة التنظيم.

تهميش الفئات الدنيا في التنظيم
-         أولا، إن الانشغال بتحقيق الفعالية من خلال تقسيم العمل و التخصص أدى إلى ابعاد و عزل الأعضاء في القاعدة، و توسيع المسافة الفاصلة بين القاعدة العمالية و قيادتها. و يعتبر ذلك من الإختلالات الوظيفية المصاحبة لكل التنظيمات البيروقراطية؟، نظرا لعدم اطلاع القاعدة العمالية بكيفية عمل مختلف المستويات، طبيعة تقسيم العمل، و توزيع الأدوار بين القيادات، الصلاحيات، الامتيازات، و هو ما يجعل التنظيم هيكلا بيروقراطيا لا تحظى فيه الفئات الدنيا بمكانة و وزن معتبر و لا تنال إنشغالاتها الاهتمام الائق بها.

-         ثانيا، غياب مشاركة فعلية للأغلبية في عمليات اتخاذ القرارات الحاسمة، بالاضافة إلى حجز المعلومات، بخاصة و أن الاعلام يتناقص تدريجيا كلما نزلنا في السلم الهرمي إلى المراتب السفلى في بنية التنظيم النقابي و يظهر ذلك في حجم الفروق في المعرفة بين القيادات و الأعضاء في مختلف المستويات. و هو ما يؤكد أن التنظيم النقابي بيروقراطي لا يمنح إمكانيات حسنة للاتصال و المشاركة، بل يعمل على خلق حواجز تمنع وصول المعلومات إلى الفئات الدنيا، و هو ما يقوي عند القاعدة الإحساس بالاغتراب، طالما أن القيادات المحتكرة للمناصب ترفض إعطاءها فرصة المشاركة.

-         ثالثا، اللامبالاة القصوى المميزة لموقف العمال اتجاه التنظيم و إبتعادهم عنه، بسبب عدم اعطاء القاعدة العمالية فرصة المشاركة و يبدو ذلك جليا خلال مرحلة الانتخابات، إذ يغيب الاختيار الحر للقاعدة التي تصبح عضويتها في التنظيم ممارسة شكلية، و هو الأمر الذي يجعل أعضاء التنظيم مجرد "حملة بطاقات"، ليس فقط لعدم اعطائهم فرصة المشاركة، بل أيضا لعزوف العمال عن المشاركة في حياة التنظيم مثل الترشح للمناصب القيادية. و بذلك يكتسب عدم إهتمامهم بالنقابة صفة الفعل الواعي باعتبارها تنظيما لا فائدة منه في نظرهم مادامت أقلية معينة قد سيطرت عليه و وضعته في خدمة مصالحها. و هو ما يكتشف في ذات الوقت عن النظرة الحقيقية التي يحملها العمال عن النقابة، و هو ما ينعكس بالسلب على فعالية و قدرة التنظيم على مواجهة الضغوطات و الاكراهات الخارجية، خاصة إذا لم تتحقق وحدة داخلية. مما يتطلب تـوعية العــمـــــال و الاهتمام بتأهيل القيادات و تكوينها و هو من المسائل الهامة و الاساسية لتجنب و لو نسبيا إمكانية التحايل على مصالح الـتـنـظيم و التــلاعب بـــهـا، و الاستخدام الأداتي و الذرائعي للمنظمة النقابية.
-         يبدو أن الملاحظات التي توصل إليها باحثون في مجتمعات أخرى متماثلة إلى حد كبير مع نتائج بحثنا. لعل ذلك يؤكد وجود آليات بنيوية عمومية ذات حركية معينة تدفع نحو بقرطة التنظيمات النقابية كما أشارت إلى ذلك دراسات كلاسيكية و حديثة في مجال التنظيمات. لكن يبقى أن هناك خصوصيات تنبع من الواقع الثقافي المحلي تكشف عنها الميكانيزمات الداخلية و الآليات الخفية التي تعمل من خلالها الهياكل و الهيئات النقابية عندنا باعتبارها جزءا من النسق الاجتماعي العام الذي يتميز ببناء اقتصادي و اجــــتمـاعي و ســـيــاسي و تاريخي محدد.
لقد برز ذلك بقوة و بشكل واضح خلال هذا العمل، إذ أنه بالاضافة إلى المعايير و الخصائص العالمية للتنظيم البيروقراطي، مثل تـــقـــسـيم الــعــمــــل و التخصص، الصرامة، مركزية القرار،… إضافة إلى ذلك فإن الجانب الكامن يحمل خصوصية ترتبط في جانب أساسي بميزات و خصائص المحيط الذي يتواجد فيه التنظيم النقابي في الجزائر، يفرض عليه العمل وفق قواعد بيروقراطية مكيفة و معدلة حيث أن الفاعلين فيه أو القائمين عليه يفتقدون للمهارات و الخبرات التقليدية التي يتطلبها إدارة و تسيير التنظيمات الحديثة و بالتالي يتم تعويضها برأس مال علائقي يمثل الميكانيزمات الداخلية أو القواعد غير الرسمية التي تعتمد عليها القيادات المحلية و كذا العمال المنخرطين.
هكذا تبقى الديمقراطية مجرد شعار توحي به السلوكات الظاهرية الطقوسية بينما يؤكد الجوهر هيمنة ممارسات بيروقراطية للأقلية المسيرة للتنظيم، ليس فقط لخدمة مصالحها الخاصة، بل لكونها تتواجد في محيط يفرض عليها معايير محددة مثل الاستجابة في كل مناسبة بالسرعة المطلوبة و المرونة اللازمة و هي معايير تعيق امكانية العمل الديمقراطي، و بالتالي إقصاء فرص المشاركة الجماعية في تسيير شؤون التنظيم. اضافة إلى غياب آليات المراقبة على نشاطها من قبل القاعدة. و هذه عوامل تقوي مخاطر الاستخدام الأداتي للمنظمة، بل تحدث هناك عملية اندماج داخل النظام السائد و تعيد ذات القيادات انتاج نفس الـقــــيــــم و الممارسات التي قامت النقابات في الأصل ضدها و بذلك تتحول تلك القيادات إلى أقلية بيروقراطية تهتم بتحقيق أهدافها الفئوية الضيقة و اهمال مــــصــــالح و أهداف الغالبية التي يفترض أن تمثلها و تدافع عن مصالحها. و مثل هذه الوضعية تقلل من وزن و تأثير المنظمة النقابية أثناء المفاوضة و هذه الحالة بدورها تؤدي إلى احتمالين متناقضين : أولهما، اضعاف إمكانية اللجوء إلى صيغ نضالية منظمة بسبب انصراف القاعدة عن تأييد مواقف القيادات الرسمية. و ثانيهما احتمال انفجار نزاعات و صراعات تتجاوز الهياكل النقابية، بل و ربما تقف ضدها بسبب عجزها عن التكفل بمطالب القاعدة.
إن ذلك يعني أن أمام النقابة مهمات على غاية الصعوبة من ضمنها محاولة التطبيق الفعلي و الحقيقي للمبادئ الديمقراطية، و فتح قنوات الاتصال و تكثيف الاعلام لتوعية القاعدة و لتحقيق مشاركة فعلية لا تقصي أي مستوى من المستويات التنظيمية و لتجسير الهوة بين قمة و قاعدة التنظيم للحفاظ على الاستقرار و البقاء كنقابة ممثلة تضم أكبر عدد من المنخرطين، باعتبارهم يمثلون الأرضية التي يقوم عليها وجود النقابة. و يبدو هذا الرهان ملحا اليوم أكثر من أي وقت آخر في ظل الظروف الاقتصادية و الاجتماعية الصعبة التي أدت إلى غلق مئات المنشآت و ضياع مئات الآلاف من مناصب العمل مما يعني أضعاف التنظيم النقابي باقتطاع جزء كبير من قاعدته. لذلك فإن التنظيمات النقابية عـــــمـــوما و إ.ع.ع.ج خصوصا يواجه أوضاعا عصيبة، و رهانات حاسمة قد تؤدي إلى تغيير ملامح الحركة النقابية بطريقة جذرية. و السؤال الذي يبقى مطروحا إلى أي مدى ستنجح التنظيمات النقابية عموما و إ.ع.ع.ج بالخصوص في مواجهة هذه التحديات التي تفرضها المرحلة؟ ذلك ما يستدعى بالطبع مزيدا من البـــــحوث و الدراسات لتسليط الضوء على الجوانب العديدة و المعقدة في حياة التنظيمات النقابية في بلادنا.